اراء

هزة قلم! رهان المرحلة!

 

فرط اليمنيون بثورة ٢٦ سبتمبر!
لقد بيعت الجمهورية مبكرا جدا، ومن بعدها الوحدة، لكن العجيب والغريب في الأمر أن أبرز المشاركين في البيع هم أمراء الحرب اليوم.

جمهورية سبتمبر، ومن بعدها جمهورية الوحدة لم تبتعد كثيرا عن عبودية واستبداد أئمة الزيدية، فلقد استمرت الإمامة ولكن بشكل أقل مما كانت عليه وبثوب جمهوري طيلة العقود الست الماضية، فلقد ظلت محصورة بين حكم مشايخ القبيلة ومشايخ الدين ثم الحكم العائلي العفاشي الديكتاتوري، فأصبح الوطن والشعب والجمهورية جميعا يهتف من أجله. وحين قامت ثورة ١١ فبراير الربيعية، وانتقاما من الشعب قام الطاغية بتسليم الجيش والجمهورية والوطن لأهل الكهف أحفاد الإمام.
ثم جاء التحالف، فصودرت السيادة، وسلبت الشرعية اليمنية القرار السياسي، وصارت إدارة البلد إلى الرياض ودبي، وتحولت المؤسسات الأمنية والعسكرية إلى مجرد أدوات تنفذ ما يملى عليها.

مشكلتنا الكبرى اليوم هي أن هؤلاء الذين فرطوا بيمن الوحدة والجمهورية جميعهم من كل أطياف السياسة اليمنية لا يريدون الإعتراف بجرمهم بأنهم هم من فرط بالجمهورية، بل لايزالون مصرين على التشبث بالموروث السلالي والمناطقي ولو تجزأت الدولة إلى مربعات بحجم 50.000 كم متربع إن لم يستطيعوا الإستيلاء على كامل التراب اليمني.
هؤلاء هم البائعون لكرامتهم، المنبطحون لعدوهم في الرياض وفي دبي بعد أن خانوا الوطن والشعب.

الذكرى التأسيسية للإصلاح!
تحل علينا هذه الأيام الذكرى التاسعة والعشرون لتأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح ذي التوجهات الإسلامية، أبرز الأحزاب السياسية اليمنية حضورا وأكثرها إثارة للرأي العام اليمني والخليجي والدولي على مدى ثلاثة عقود بحكم تصنيفه في خانة الإسلام السياسي المؤرق لكل القوى المناهضة للحركات الإسلامية. تأتي هذه الذكرى واليمن كله يمربمنعطف تاريخي خطير، فهو على مفترق طرق في كل نواحي الحياة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومهدد بفقدان سيادته ووحدة اراضيه.
يعاني الإصلاح من إشكالية شيطنة مستديمة، فهو في نظر التحالف ليس سوى إمتداد لجماعة الإخوان المسلمين، وهذا يعني أنه هدف من الأهداف غير المعلنة التي يحاربها التحالف في إطار الهدف العام المعلن “إستعادة الشرعية”، رغم محاولاته المستميتة في نفي هذه التهمة عن نفسه باعتباره حزبا يمنيا خالصا، لا علاقة له بتنظيم الإخوان، غير أن ذلك لم يغير من المعادلة في شيء، بل ظل في دائرة الشيطان المغضوب عليه فى عالمنا العربي، لا سيما أنه يعد أحد ركائز ثورة  فبراير الربيع العربي.

الأزمة السياسية اليمنية  الراهنة في الحقيقة تطال جميع مكونات السياسية اليمنية دون استثناء، لكنها في نفس الوقت تعد ميدان اختبار فاصل وتاريخي لأكبر مكونين سياسيين وأقوى لاعبين حزبيين وهما الإصلاح والمؤتمر (وأخص بالذكر الإصلاح)، مما يتطلب منهما مواقف تاريخية تحفظ لليمن سيادته ووحدته وهيبته، وتذكرها الأجيال القادمة وتتغنى بها، وإلا سيصيران لعنة التاريخ والوطن.
حرب التحالف طالت جدا وخرجت عن مسارها المعلن باستعادة الشرعية وإسقاط الإنقلاب، بل تحولت إلى حرب استنزاف طويلة الأمد لحزب الإصلاح، ولكل القوى الوطنية.. ومن ثم هو استنزاف للوطن اليمني بالكامل.
وفي خضم هذا الإستنزاف تأتي الذكرى التاسعة والعشرون للتجمع اليمني للإصلاح والحزب يعيش مأزقا حقيقيا كبيرا سياسيا واجتماعيا، لذلك ترى قياداته المنبطحة في الرياض واجمة لا تتفوه بكلمة، لأنها لا تستطيع وهي ترى ما حل ويحل بالوطن.. فهذا السكوت هو كلفة السلوك الخاطيء للحزب حين وضع كل بيضه في سلة الرياض التي لا تكن لهم ودا، ولا تراعي في اليمن واليمنيين إلا ولا ذمة.

الحقيقة أن قيادات الإصلاح في غالبيتها من مناطق شمال الشمال (طوق صنعاء) والذي يعتبر كما هو معلوم عند غالبية اليمنيين أنهم حاشية تابعة لآل سعود (فكل الدعم والسيادة ممنوحة لهم من قبل الرياض)، لكن الانقلاب الحوثعفاشي كشف المستور وعراهم أمام الجماهير، والآهم اليوم وبعد خمس سنوات من عاصفة الحزم، وجد الإصلاح نفسه محشورا في الزاوية: فلا التحالف راض عنه، ولا أنه استطاع إقناع جماهيره بجدوى وقوفه مع التحالف من خلال تحقيق بعض المكاسب الوطنية على الأرض. فهو تحت إبتزاز دائم من التحالف ومن القوى اليمنية الأخرى الكارهة له، لذلك تطاله الاتهامات الجزاف الواحدة تلو الاخرى:
مرة يتهم بعمالته لقطر وتركيا، ومرة بتحالفه مع الحوثي، ومرة بإخوانيته، ومرة يوصم بالإرهاب.. والتهم لا تنتهي.
ورغم كل ذلك فإنه ساكن سكون أهل الكهف في الرياض، فلم يقم بأي حركة تدلل على أنهم أحياء، فيقومون بتصحيح مسار الحزب وأدائه السياسي، خصوصا أن مؤتمره الإنتخابي مجمد منذ المؤتمر الرابع للحزب عام 2007.
كان يجب على قيادته الهامدة في الرياض أن تحترم نفسها، وتحاسب نفسها أدبيا أمام الجماهير بالإستقالة الفورية من هرم الحزب بسبب جنايتها السياسية المدمرة، وتنتخب قيادة جديدة فتية يكون بمقدورها تحريك المياه الراكدة سياسيا لأنها ستكون غير مكبلة بقيود الرياض، فتسيح في أرض الله الواسعة. لكنهم للأسف الشديد لا يزالون يتصدّرون المشهد كزعماء تاريخيين تحيطهم القداسة الدينية فلا تجوز مساءلتهم أو عزلهم، وهم هم السبب والمسبب لكل المآسي التي يتجرعها أفراد الحزب من قتل وسجن وتعذيب وتشريد.. الخ.

حزب الإصلاح اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى بإعادة تصحيح مساره بعقد مؤتمره العام الخامس، وهو المنقذ الوحيد للحزب للخروج من هذه الازمة الخانقة للحزب وللوطن وإعادة التموضع بحسب مستجدات ومتطلبات المرحلة، والاستمرار في حالة الصمت والركود القاتل هذا سيدمر الحزب.. وتبعا له سيساهم في تدمير ما تبقى من مشروع الدولة الإتحادية اليمنية نظرا لحالة التفكك الوطني وسيطرة حالة الشك والتنافر بين القوى السياسية اليمنية الذي بدوره يوفر مساحة كبيرة جدا للمشاريع اللاوطنية.

لكونه الحزب الأكبر جماهيريا يعلق الجميع على الإصلاح كل مشكلات اليمن وأزماته، ويعلق عليه آماله وطموحاته كذلك، لذا فعليه أن يرتقي إلى مستوى التحديات والآمال، ويصحح ما أفسدته قيادته العجوزة وبأقصى سرعة ممكنة طالما وقد نصب نفسه ممثلا للشعب اليمني ككيان وطني إسلامي، مضحيا لأجله كما تنص على ذلك أدبياته، وتنطق بها شعاراته.

أ. محمد الدبعي

زر الذهاب إلى الأعلى