اراءاهم الاخبار

هزة قلم! نحتاج ألف شعرة!

أ. محمد الدبعي

ما أبسط عقولنا..
ما أسخف منطقنا.. وما أجهل تبريرنا!

أثارني اليوم أحد الإخوة الطيبين بفيديو قصير فيه تسجيل جديد لأحد الأشخاص الذي كنت أعتبره من المفكرين الناصحين البارزين، وأنظر إليه كأحد أقطاب التحليل السياسي العقلاني الفطن بحكم قربه من دوائر القرار في الغرب، على الرغم من مآخذي الكثيرة على بعض تحليلاته..
وجدته في هذا الفيديو ينعي الرئيس مرسي بعد اغتياله، ويطنب في مديحه بأنه كان رجلا فذا، وسياسيا بارعا وذكيا وفطنا وفاهما.. وملما بوضع مصر وأزماتها ومشاكلها.. وماهي الحلول اللازم إتباعها لإنقاذها.
وأنهم اغتالوه لأنه يشكل خطرا على دولة اليهود.. وأن من اغتاله هو محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد، ودولة اليهود التي أبغض ذكر اسمها.

هذا كلام خطير جدا… وقول عجيب غريب إلى حد غير معقول.. يمثل نموذجا من نماذج الإفلاس الفكري المشين، والانحطاط العاطفي البليغ، ما يعمق قاع الانحطاط، ويذكي جذوة جمرة المآتم في الأمة المثخنة بالجراح، ولا يساعدها إطلاقا على النهوض الفكري والثوري. والأغرب والأدهى أنه يصدر من شخصية تتصدر المشهد الإعلامي والتحليل السياسي العربي الأوروبي.. كالأستاذ عزام التميمي.
قول لا ينبني عليه عمل، ولا فائدة ترجى منه البتة غير دغدغة عواطف الحزن الرثاء.. والبكاء والعويل واللطم والنحيب…
كلنا نبكي الرئيس مرسي رحمه الله وننعيه.. بل ونرثيه.. لكن كلام التميمي ومداخلته تلك تلهمنا أنه بإمكاننا أن نبني له ضريحا، ولأنفسنا حسينية كما للشيعه.. فهم يلطمون ويصرخون واحسيناه… ونحن يحق لنا أن نلطم  ونصرخ وامرسياه!
ماهكذا ياسعد تورد الإبل!

كان عليك أن تنبري لدراسة حالة الرئيس مرسي والثورة المصرية، والبحث في أسباب أفول نجم حكمه في فترة وجيزة، والغوص في أعماقها وتمحيصها وتفنيدها ونقدها ليتسنى للخلف وللأجيال القادمة الاستفادة منها.
أن أولئك هم من قتلوه.. فهذا صحيح، وما السيسي إلا أداة رخيصة في يدهم تنفذ أوامرهم.
أنه كان فاهما وملما بالوضع والسياسة المصرية.. فهذا غباء وهراء لا يحتمل..
لوكان كما قلت ياعزام التميمي لما ترشح للرئاسيات أصلا على حساب المنشق عن جماعته عبد المنعم أبو الفتوح!
لو كان فطنا ذكيا وسياسيا بارعا كما تدعي لما فتح مصر على مصراعيها للسياحة والثقافة الإيرانية الشيعية.
لو كان سياسيا محنكا وجهبذا مفذلكا لما صادم الغرب والصهاينة، ولركب موجتهم بحنكة ودهاء حتى يتمكن من تثبيت نفسه على اللوح بين الأمواج العاتية المتلاطمة.. ثم بعد ذلك يبدأ في توجيهه كيف يشاء على خط السير الذي يريد بعقلانية ومنطق الواقع المرير.
أنا أسمي كل ما نطق به التميمي بالهراء والدجل الكلامي الفارغ من المضمون، الفاقد للنضج والفكر السياسي.. والتبرير المقيت.. تبرير العاجزين المتمسكين بقشة المؤامرة، دون النظر في الخلل الأصلي للسلعة المحلية الصنع..
وهذا دليل آخر على أن الأمة العربية لا تزال تفتقد إلى المفكر المبصر، والناقد الحاذق.. وإلى السياسي المحنك.. والزعيم الملهم.

المؤامرة موجودة ولا ننكرها، لكن أين من يتصدى لها بالذكاء والحنكة والحكمة والدهاء؟؟؟ فليس كل من تصدر للزعامة والمشهد زعيم!
مرسي إغتال نفسه بنفسه، واغتال مصر كلها حين لبس عباءة الزعامة والقيادة لدولة عظمى كمصر على طريقة الدراويش، وهو غير مؤهل لها، ولا يمتلك القدرة على قيادتها، وليس عنده أدنى مقومات النجاح في المهمة التي رميت على عاتقه.. فلم ألقى بنفسه إلى التهلكة؟؟؟!!!
بل وسلم السلطة لقمة سائغة لأعداء الامة من غير قصد (بحسن نية طبعا، حيث أنه مخلص النوايا للشعب والوطن، فأراد أن يخدم.. فهدم).. كان عليه أن لا يقبلها أصلا.. أو الانسحاب منها فورا حين شعر بالمؤامرة التي تحاك له ولجماعته ولشعبه ووطنه.. ولن يلام على ذلك.. لن يلام.. فرحم الله امرأً عرف قدر نفسه!

درس وحيد يمكننا تعلمه فعلا من  حكاية الرئيس المغدور مرسي: هي أن يعتبر القادمون بحاله ومصيره، ويسلكون السياسة من بابها المنشود وأسلوبها المطلوب وهو:
مداهنة.. ملاينة.. مسايرة.. مخاتلة.. مخادعة.. مغالبة.. حتى يتم النصر..
ليته طبق ما درسه في رسائل الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى حين قال في إحدى رسائله الموجهة للإخوان : “ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن استخدموها وغالبوها.. وحولوا تيارها.. وترقبوا ساعة النصر، وماهي منكم ببعيد!”.

كم نحن بحاجة إلى قوة وحنكة وفهم أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، ودهاء أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان (رضي الله تعالى عنهم أجمعين).
ما أشد حاجتنا إلى دهاء وشدة الأمير عبد الملك بن مروان، والأمير سلمان بن عبد الملك، والأمير الحجاج بن يوسف الثقفي (رحمهم الله!).
ما أقوى الحاجة وألحها إلى فكر سياسي حديث كفكر حزب العدالة والتنمية التركي وزعيمه رجب طيب أردوغان حفظهم الله!

أمير المؤمنين معاوية ساس دولة عظمى متسعة الرقعة مترامية الأطراف شرقا وغربا بشعرة داهية واحدة. أما نحن في الحقيقة لا نحتاج لشعرة واحدة، بل لألف شعرة من شعرات معاوية الداهية!

وياقافلة.. عاد المراحل طوال!

 

زر الذهاب إلى الأعلى