فضاء

تجنيد الأطفال.. انتهاك للطفولة و”تفخيخ” لحاضر ومستقبل اليمن

 

اليمن في الاعلام – DW

اتهامات عدة تحاصر طرفي الصراع في اليمن بشأن تجنيد الأطفال والإلقاء بهم في أتون حرب لا يعلم أحد متى تنتهي. وثقت جهات حقوقية وحتى أممية حالات متعددة لتجنيد الأطفال كان الحوثيون هم الطرف الغالب فيها بنسبة تتعدى 77 بالمائة.

أطفال من المركز الصيفية بصنعاء يرتدون الزي العسكري وسط ميدان السبعين خلال مظاهرة احتجاجية ضد تصنيف الحوثيين في القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال
تم تصنيف الحوثيين في القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال

بعد أشهرٍ من التحاقه بـ”المراكز الصيفية”، التي تنظمها جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، أبلغ سمير (15 عاماً) أسرته، أنه سيلتحق بجبهات القتال، رغم رفض أبويه، ليستقبلانه في نهاية المطاف جثةهامدة في وقتٍ تستمر فيه حملات التجنيد، التي لا تستثني الاتهامات بالتورط فيها أياً من أطراف النزاع.

في حديثه لـDW عربية، يوضح والد سمير – الذي فضل عدم كشف هويته – أن البداية كانت بموافقة الأسرة على التحاق ابنها بـ”المراكز الصيفية” في فترة العطلة السنوية الدراسية، لتعلم الدروس الدينية وغيرها من المقررات والأنشطة التي تجذب اهتمام الفتيان، وعند عودته لأسرته كان تأثير المفاهيم والدروس التي تلقاها واضحاً في سلوكه، وصولاً إلى إبداء رغبته في الالتحاق بـ”الجبهة”، لـ”الجهاد في سبيل الله” و”الدفاع عن الوطن”.

وعلى الرغم من رفض والدة ووالد سمير في بداية الأمر تجنيده، إلا أنه مع مرور الوقت، تراجع قلق أسرته الفقيرة، إذ كان يعود إليهم كل عدة شهور ويقدم لهم الأموال التي تساعدهم في توفير بعض الاحتياجات المنزلية. هذه الحال لم تستمر كثيراً، إذ أنه في المرة الأخيرة، عاد إلى أسرته متوفياً، ومع جثمانه صورة في برواز كُتب عليها اسمه كـ”شهيد”، لتعلقها أسرته على جدران منزله.

حال سمير لا يختلف كثيراً في تفاصيله عما شهده أحد الأحياء القريبة من سكن أسرته في صنعاء، حيث شيع السكان ثلاثة قتلى من أبناء الحي تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عاماً وهم عماد ويوسف ومحمد، إذ التحقوا بـ”الجبهات” منذ ما يزيد عن عام، وبعد أن كانوا يعودون في أوقات متقطعة إلى أسرهم، قضى الثلاثة لاحقاً، في موقع يُعتقد أنه تعرض لقصف مباشر، وعادوا في توابيت صغيرة ليتم تشييعهم في أجواء حزينة من قبل سكان الحي.

تجنيد الأطفال.. طرفا النزاع متورطان

تُعد ظاهرة تجنيد الأطفال، واحدة من أبرز صور انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب الدائرة في اليمن منذ سنوات، وثقت خلالها تقارير حقوقية العديد من الحالات لدى مختلف الأطراف، لاسيما جماعة الحوثيين، والتي شكلت أكثر من 77 بالمائة من حالات تجنيد واستخدام الأطفال الموثقة في تقرير الأمم المتحدة السنوي عن الأطفال ومناطق النزاع، في حين بلغت الحالات الموثقة للتجنيد في القوات الحكومية ما نسبته 16 بالمئة، وأقل من 5 بالمائة من قبل قوات الحزام الأمني الموالية للمجلس الانتقال الجنوبي.

وأعرب التقرير الأممي نفسه، والذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش إلى مجلس الأمن منذ يومين، عن “القلق البالغ”، إزاء “الزيادة المستمرة في عدد الانتهاكات الجسيمة، بما في ذلك تجنيد الأطفال، ولا سيما من جانب الحوثيين”، الذين وضعهم التقرير على لائحة الكيانات المتهمة بالضلوع بالانتهاكات خلال الفترة المشمولة بالتقرير (العام الماضي).

صورة من استعراض كشفي لملتحقين بأحد المراكز الصيفية في ميدان السبعين بصنعاء
صورة من استعراض كشفي لملتحقين بأحد المراكز الصيفية في ميدان السبعين بصنعاء

من ناحية أخرى، لم تكن قوات الحزام الأمني الموالية للمجلس الانتقال الجنوبي بعيدة عن التورط في الأمر نفسه، بحسب ما خلص إليه توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، والذي أكد في اتصال هاتفي مع DW عربية أن القوات الحكومية فعلت الأمر نفسه وخصوصاً في مدن تعز ومأرب.

يضيف الحميدي أنه “وعلى الرغم من ذلك تبقى نسبة تجنيد القوات الحكومية اليمنية للأطفال في اليمن للانخراط في المعارك ضد الحوثين لا تقارن بما يفعله الحوثيون في السياق نفسه”.

وأشار الحميدي إلى أن “أغلب حالات تجنيد الأطفال على أيدي القوات الحكومية اليمنية لا يذهب فيها الصغار إلى المعارك بشكل مباشر إلا عدد قليل للغاية، إذ يعمل أغلب الأطفال المجندون داخل المدن وفي جهات أمنية، وفي بعض الأحيان قد لا يخرج الأطفال من منازلهم وتقيد أسماؤهم في الكشوف ويتلقى ذويهم الأموال، خاصة إن كان لهؤلاء الأهالي أحد المعارف أو بعض الاتصالات القوية بأحد القائمين على هذا الأمر”.

مصدر للدخل وإعالة الأسر

أكدت مصادر ميدانية مطلعة على عمليات تجنيد الأطفال في مناطق انتشارها في أوساط القوات الحكومية والأطراف الأخرى مثل الحزام الأمني أنه من تلك الحالات قيام أحد العسكريين بتجنيد ابنه قبل بلوغه السن القانونية، أحياناً بهدف الحصول على الراتب فقط أكثر من كونه سيذهب للقتال.

وأشارت المصادر لـ DW عربية أن من الحالات الأخرى قيام العسكري أو المجند بتجنيد شقيقه الأصغر منه، أو لكون جميع أفراد الأسرة مجندين، حتى ولو كان بينهم من هو تحت السن القانوني والمحدد في القانون بــ 18 عاماً، كما يتم التجنيد في حالات أخرى لنجل جندي قُتل، ليقوم الطفل بإعالة أسرته.. أو يتم تجنيد طفل أو شاب بسن تحت 18 عاماً، برغبة من أسرته عن طريق جنود أو ضباط آخرين من القرية التي ينحدرون منها.

وتؤكد المصادر لـ DW عربية أن هذه الحالات وإن كانت شائعة في أوساط القوات الحكومية إلا أنها غير ممنهجة أو منظمة بعكس ما يحدث في معكسر الحوثيين بحسب ما تظهر وثائق المراكز الصيفية.

وبحسب تقرير مشترك لمنظمة “سام” للحقوق والحريات و “المرصد الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان فإن “قوات موالية للحكومة اليمنية أو التحالف العربي أو سماسرة، تنفذ عمليات تجنيد واسعة للأطفال في محافظات تعـز ولحج وأبيـن، وتنقلهـم للتدرب فـي معسـكرات سـعودية للدفاع عـن حدود السعودية من الهجمات البرية الحوثية”.

تقرير مجلس الأمن الصادر بتاريخ الثالث من يونيو/حزيران عام 2019 بعنوان “الأطفال والنزاع المسلح في اليمن” أشار إلى أنه تم إدراج القوات الحكومية اليمنية – بما في ذلك القوات المسلحة وائتلاف دعم الشرعية وقوات الحزام الأمني- كأحد الجهات التي تقوم باستخدام وتجنيد الأطفال بحسب ما ورد في التقرير رقم (A / 72/865-S / 2018/465)، كما أنه تم إدراج طرفي الصراع في اليمن في القائمة (ب) لمرتكبي جرائم قتل وتشويه الأطفال والتورط في هجمات على المدارس والمستشفيات.

المراكز الصيفية ونصف مليون طفل

وجاء إعلان التقرير الأممي، بالتزامن مع أبرز المواسم المرتبطة باتهامات تجنيد الأطفال، ممثلة في “المراكز الصيفية”، وهي الفعاليات التي أعلنت قيادات في جماعة أنصار الله، أنها تسعى لاستقطاب 400 ألف طفل، في مقابل تحذيرات أطلقتها الحكومة المعترف بها دولياً ومنظمات محلية، اعتبرت أن هذه المراكز عبارة عن “معسكرات تجنيد للأطفال”.

وفي أحدث بيان صادم، قالت منظمة سياج اليمنية لحماية الطفولة في بيان لها إن جماعة الحوثيين جندت خلال العام الجاري، نصف مليون طفل على الأقل، عبر ستة آلاف مخيم صيفي، أقامته الجماعة في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتوقعت “إشراك أعداد كبيرة من أطفال المراكز الصيفية في جبهات القتال المستعرة حاليا”.

ولدى توجه DW عربية، إلى المنظمة بشأن حيثيات هذه البيانات، أوضحت المنظمة أنها تأتي كإحصائية تقديرية بناء على إعلان الجماعة عدد المراكز الصيفية بأنه (6 آلاف مركز)، وبمتوسط مئة طفل لكل مركز.

وأضافت المنظمة أن “هؤلاء الأطفال وبناءً على ما تسرب من صور وفيديوهات لبعض المراكز الصيفية ونوعية التثقيف والأزياء والشعارات، فإنهم يتلقون تثقيفاً قتالياً تعبوياً”، مشيرة إلى أن التجنيد “هو كل نشاط فكري أو بدني أو حتى استغلال لطفل من أجل تحقيق أهداف عسكرية دون علمه بماهية الهدف”.

الأمر نفسه وثقته كل من منظمة “سام” للحقوق والحريات و “المرصد الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان في تقرير مشترك حمل عنوان “عسكرة الطفولة” وأشار إلى “استخدام جماعة الحوثي المدارس والمرافق التعليمية لاستقطاب الأطفال إلى التجنيد الإجباري بل وأحياناً من خلال الاختطاف، من خلال نظام تعليم يحرّض على العنف، بالإضافة إلى تلقين الطلاب العقيدة الأيديولوجية الخاصة بالجماعة من خلال محاضرات خاصة داخل المرافق التعليمية لتعبئتهم بالأفكار المتطرفة، وترغيبهم بالانضمام إلى القتال لدعم الأعمال العسكرية للجماعة” بحسب ما ورد في التقرير.

ووثقت DW عربية، مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية من داخل أحد المراكز الصيفية التي أُقيمت تحت شعار “علم وجهاد”، حيث يجري خلالها تدريس مناهج مخصصة، تمجد من شأن الجماعة وقادتها ومفاهيمها الدينية والسياسية.

وحصلت دويتشه فيله عربية على نسخة من تقرير تفصيلي أعده الباحث اليمني عبده علي الحذيفي المتخصص في توثيق انتهاكات تجنيد الحوثيين للأطفال والذي وثق فيه مقتل 1410 أطفال في 2020 بالأسماء وتاريخ ومكان الوفاة والعمر، وذلك اعتماداً على مصادر إعلام الحوثيين وتحديداً “قناة المسيرة”.

صورة من داخل إحدى الخيام تضم معرضاً للصور الحربية التي توثق مشاهد تدمير مدرعات سعودية وغيرها
داخل إحدى الخيام يقوم عدد من قادة الحوثيين باستعراض صور لمشاهد من تدمير آليات سعودية خلال الحرب

من المدارس إلى “المتارس”

وفي حديثه لـDW عربية، وصف وزير حقوق الإنسان السابق في الحكومة المعترف بها دولياً، محمد عسكر “ظاهرة تجنيد الأطفال”، بأنها “تشويه للحاضر وتفخيخ للمستقبل”، قائلاً إن “هؤلاء المسرحين من المدارس إلى المتارس.. كيف سُيعاد إدماجهم في المجتمع وهم بعشرات الآلاف”.

عسكر الذي أشار إلى أن كل أطراف الصراع لديها انتهاكات لا تتجاوز 20 بالمائة في مقابل الحوثيين، قال إن “خطورة المراكز الصيفية تكمن في كونها تقوم بعملية غسيل مخ لمئات آلاف الأطفال في كل صيف، ويتم فيها حشو أدمغة الأطفال بثقافة الكراهية وشعار الموت لأمريكا، وما إلى ذلك”.

ويوضح الفيديو الذي نشره الباحث اليمني عبده علي الحذيفي تأثير تلك الدروس على سلوك الأطفال الذين يقوم الحوثيون بتجنيدهم:

 

على الصعيد نفسه، يرى المحامي والنشاط الحقوقي ياسر المليكي أنه بالنسبة للمراكز الصيفية فإن الحق في التعليم مكفول للجميع “شريطة أن يتضمن برامج تعتني بالأطفال نفسياً وفكرياً واجتماعياً بما يكفل تطوير شخصياتهم ومواهبهم وقدراتهم، وأن يحترم ثقافاتهم واختلافاتهم، وأن يدعو للعيش بسلام”، لكنه في المقابل يقول “المؤكد من الكثير من الشهادات والوقائع أن جماعة الحوثي تحرص على تعليم الأطفال ما يعزز ثقافة الكراهية والعنف، من خلال المناهج المحشوة بأفكار لا تتلائم مع تفكير الأطفال”.

“إملاءات وحشد للقرارات الأممية”

الجدير بالذكر، أن الحوثيين وعبر الحكومة الموالية لهم في صنعاء، هاجموا قرار الأمين العام للأمم المتحدة بتصنيف أنصار الله ضمن قائمة منتهكي حقوق الأطفال، واعتبروا أن “التقرير يرسخ قناعة بأن قرارات المنظمة تُصاغ وفقا لإملاءات الإدارة الأمريكية والدول النفطية الممولة لها وليس وفقاً للمعطيات”، مشيرين إلى قيام المنظمة في سنوات سابقة، بإزالة اسم السعودية من القائمة “إثر تهديدها بإيقاف دعمها المالي للمنظومة الأممية”.

وشددت حكومة الحوثيين على أن التحالف السعودي هو “المنتهك الحقيقي لحقوق الأطفال لأكثر من ست سنوات”، وطالبت بمراجعة القرار الذي قالت إنه “يأتي في سياق النهج الابتزازي الذي دأب عليه التحالف لحشد القرارات الأممية بما يخدم أهداف عدوانه”، وفقاً لما جاء في بيان نشر في 20 يونيو/حزيران الجاري.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى