اراءاهم الاخبار

ازمة اليمن … لن يحلها المزيد من البارود !

بقلم/  عبدالله احمد صالح بن اسحاق

ان المتأمل في اسباب مشكلات المجتمع اليمني السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحالة الثورات و الحروب الفاشلة التي تعصف باليمن منذ عقود سيجد ان كل ذلك نتاج لسيادة ثقافات مجتمعية بائسة ناتجة عن عجز النظام التعليمي السائد خلال هذه العقود في تحقيق غاية مناهجها التعليمية المتمثلة في تكوين المواطن الصالح المتكامل الشخصية من جميع جوانبها، واذا كنا نثق بان الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم، فان حربنا في هذه المرحلة الحاسمة يجب ان يتجه الجانب الاكبر منها نحو ابادة هذه الثقافة البائسة واستبدالها بثقافة جديدة بالاعتماد على الاسلوب المنهاجي الحديث لإبادة الفكر الثقافي البائس بدلا من ابادة وقتل الانسان المشبع بهذه الثقافة البائسة، وعليه فان جنودنا في حسم هذه المعركة هم جيوش المعلمين والتربويين، وان خططنا القتالية التي سنعتمد عليها لاجتثاث ثقافة العمل الفاسدة في مجتمعنا هي الخطط المنهاجية التعليمية التربوية الحديثة المتطورة اكثر من خطط الصراع العسكري المسلح، وان مياديننا التي يجب تزويدها بالعتاد اللازم لحسم هذه المعركة هي صفوف وقاعات مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا التي يرتادها نحو (6.3) مليون طالب وطالبة في كل صباح.
خطر غياب السياسات الاقتصادية، وفشل السياسات العسكرية:
اننا حينما نقارن سياسة اليمن التي يعكسها الخطاب السياسي مثلا بسياسة حكومات وقيادات ماحولنا من البلدان التي حققت لشعوبها نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة ستجد على سبيل المثال رؤية الزعيم الصيني (دينج شياو بينج) التي اعلنها في خطابه في النصف الاخير من القرن الماضي وقال فيها (سنجعل الصين متجرا لكل العالم) وتم من هذا التوجه او هذه السياسة انبثاق سياسة جميع الوزارات وتصميم برامجها ضمن برنامج حكومي شامل موجه نحو اعداد قيادات ادارية تكنوقراطية قادرة على حل المشاكل في الصناعة والتطوير العملي والانتقال من مجتمع زراعي بحت إلى مجتمع صناعي تجاري، فاتجهت ابرز الخطوط العريضة في سياسات التعليم في الصين نحو بناء اقتصاد معرفي عالمي منافس وتغيرت في ظل هذه السياسات التعليمية غايات واهداف المناهج الصينية لتكون موجهة نحو اعداد المواطن الصيني للمشاركة الفاعلة في بناء هذا النموذج المنشود، واتجهت سياسات اعداد المعلمين نحو تمكينهم من الكفايات العلمية والتربوية اللازمة الى تحويل المحتوى العلمي الجامد الى انشطة قابلة للتعلم وبصورة متناسبة مع حاجات المتعلمين المعرفية والمهارية والوجدانية ومعالجة مشكلات المجتمع الصيني، ومواكبة احدث معطيات التطور العلمي والتكنولوجي، وبقي النشاط الحكومي الذي تقوده هذه الرؤية المتجهة نحو بناء الانسان الصيني القادر على جعل الصين متجرا للعالم يعمل على تقويم خطوات سير البرامج الممنهجة لتحقيق هذه الغاية وتعزيز جوانب القوة بها وتلافي السلبيات فتحققت غايتهم واصبحوا رواد جميع الاسواق العالمية دون منافس، و تقدم من خلالها معدل دخل المواطن الصيني من المرتبة (100) عالميا الى المرتبة الثانية خلال اقل من خمسة عقود من الزمن. بينما المتأمل في السياسات التي يعكسها الخطاب السياسي اليمني نجدها متجهة نحو ابادة الانسان المتطرف بالفكر (س) وابادة الانسان المتأدلج بالايدلوجيا (ص) وضرب الانسان المنتمي للحزب او التنظيم (د) بالمنتمي للحزب (هـ)، فلو تأملنا فقط في نتائج هذه السياسات خلال السبع السنوات الماضية من نهاية العام 2011م حتى اليوم وقدرنا حجم الخسائر المادية والبشرية بما تحقق من نتائج ايجابية سنجد ان المؤشرات تدل على ارقام سالبة مهولة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، حيث لم تحقق سوى المزيد من التكريس للتطرف والتكريس للمذهبية والعنصرية و المناطقية وتفشي ثقافات العنف والفساد والفقر والاوبئة وتمزيق النسيج الاجتماعي، وتدهور عناصر المنظومة الادارية وعلى راسها المنظومة التعليمية التي اصبح حالها ينذر بمستقبل كارثي.
ان كل عاما يمضي علينا ونحن نلاحق سراب الحسم العسكري دون احراز تقدم في بناء الانسان اليمني الذي يعتبر وسيلة التنمية وغايتها، يزيد من المسافة بيننا وبين قطار التقدم التكنولوجي ويزيد من احباط املنا في تعزيز روافد اقتصادنا الهش القائم على تصدير بعض الموارد الضئيلة الآلة الى النضوب كالنفط الذي اصبحت قيمته تتراجع بعد ان اصبح العالم يعتمد على موارد طاقة بديلة اخرى رخيصة واكثر امان على البيئة.
جدوى ومصدر تمويل التعليم:
وبما ان انتهاج سياسة تحقيق الريادة العلمية لن تسهم في بنا اقتصاد معرفي يمني منافس في السوق العالمية فحسب بل ستعمل على معالجة جميع مشكلات مجتمعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية حيث ستعمل على تصحيح المنظومة الثقافية في المجتمع برمتها، حيث ستصحح ثقافة العمل وثقافة العلاقات الاجتماعية والدولية، وستعمل على ترشيد مليارات الدولات التي تهدر بسبب غياب الاعتماد قوانين ولوائح ادارة العمل في مختلف القطاعات، وغياب الانتماء الوطني، والهدر الناتج عن مختلف ممارسات اشكال السلوك المجتمعي غير القانوني بدء من مخالفات قواعد السير والامن وقواعد النظافة وانتهاء بمخالفات قواعد المشاركة في حماية الموارد الاقتصادية من العبث وتشييد البيئة الاستثمارية الجاذبة.
ترشيد الهدر واستغلال فرص التمويل لتطوير منظومة التعليم:
ان تحقيق هذه السياسة الموجهة نحو تحقيق نهوض درامتيكي لفكر الانسان اليمني لا تتطلب الى معجزة او توفير مليارات اضافية في الموازنات لتمويلها بل يحتاج تمويلها الى استغلال الفرص المتاحة من جهة وتقليل الهدر الجائر في هذه القطاعات، فحلفائنا في العالم الذين يمولون بسخاء حملات عسكرية لمحاربة الارهاب الناتج عن التطرف الفكري التي اظهرت مقارنة تكاليفها الباهظة بنتائجها ضعف جدواها، من السهل خلق القناعة لديهم بتمويل برامج صارمة لتحقيق سياسات النهوض بفكر الانسان اليمني بدلا من المزيد من حروب الاستنزاف والابادة العسكرية، اما مجالات ترشيد الهدر الجائر في الموارد المالية والطاقات البشرية فهي واسعة فعلى سبيل المثال: هل تعلمون كم مليارا تهدر سنويا على طباعة وتوزيع كتب مدرسية ملونة وتتلف في نهاية العام بدلا من الزام طلابنا بالحفاظ عليها كعهدة واعادتها الى مخازن الكتب نهاية العام، مع الاكتفاء فقط بالطباعة والتوزيع السنوي لكتاب الانشطة/ الواجبات ذو اللون الواحد، خاصة وان دورات التجديد في مناهج الكثير من المقررات تكون بعد سنوات عدة. ان المليارات التي نستطيع توفيرها من هذا الاجراء وحده على سبيل المثال وليس الحصر تكفينا لان نجري تغييرات جذرية هامة في عناصر العملية التعليمية وتطويرا لطبيعة التفاعل بين ابنائنا الطلبة ومعلميهم وتوفير متطلبات بيئة ذلك التفاعل. فمثلا لسنا بحاجة الى ملايين الدولارات الاضافية لاستيراد المجسمات والهياكل العظمية البلاستيكية والمحاليل المخبرية والنماذج الفيزيائية واجهزة التجارب والعرض التقليدية الباهظة الثمن بعدد مدارسنا بل يمكن تسخير تقنية العصر(الحاسوب) في صنع هذه البيئة التعليمية الثرية بكل مدرسة وكل بيت من خلال تكوين فرق عمل تقنية مصغرة تتولى تصميم متطلبات كل التجارب والعروض لمختلف المواقف التعليمية بالمناهج المدرسية لجميع الصفوف من 1-12 ونشرها لمعلمين مدارسنا بجمع المدار عبر شبكة الانترنت وعبر الاقراص المدمجة التي لا يتجاوز سعر القرص قيمة الحبر الذي نستهلكه في طباعة لوحة وسيلة تعليمية ورقية، كما لسنا بحاجة في هذه المرحلة الى اعتماد ملايين الدولارات لتوفير معامل حاسوب لجميع المدارس بل كلما نحتاجه جهاز حاسوب متواضع لكل صف لا تزيد قيمته عن 150دولارا وجهاز داتاشو واحد لا تزيد قيمته عن 100دولار والتي تعتبر اقل من كلفة الهدر السنوي لطباعة كتب طالبين فقط اضافة الى توفير مجموعة اجهزة لمكتبة تحضير الدروس التي ليس بالضرورة ان تكون مرتبطة على الدوام بسيرفر ادارة التقنيات في الوزارة بل سيكتفى بنسخ مجلدات العروض وخطط التحضير النموذجية التي اعدها فريق الخبراء على جميع اجهزة المدارس مع توفير التحفيز للمعلمين على الابداع والتطوير عليها من خلال عقد المسابقات والمعارض السنوية وورش العمل الهادفة لتبادل الخبرات وتطوير الاداء وتحفيز الابداع. كما اننا لسنا بحاجة الى استبدال معلمي مدارسنا بمعلمين قادرين على استخدام هذه التقنية ولسنا بحاجة الى توفير ملايين الدورات لإعادة تدريب معلمينا على اعداد العروض التقديمية وعرضها، فكلما يجب القيام به هو تعليق جزء من علاوات كل معلم لحين يتقدم لإدارة التربية بما يثبت حصوله على الشهادة الدولية لقيادة الحاسوب من احدى مراكز التدريب الخاصة المعتمدة لدى الوزارة التي لا يتطلب انجازها اكثر من 20 يوما، فهل مثل هذا الاجراء صعب تحقيقه.
ان جوانب الهدر التي تفتك بقطاعنا التعليمي لا تقتصر على هذا الجانب فحسب بل ان الادهى من ذلك هو اهدار الطاقات البشرية في هذا القطاع الهام لبدائية الاساليب المستخدمة في ادارته وعدم مقارنة قيمة ما نحتاجه من امكانات بسيطة في مواجهة هذا الهدر الجائر فعلى سبيل المثال كم تخسر اليمن بسبب رداءة مخرجات التعليم التي تسببها مثلا ظاهرة الغش في الاختبارات او تغيب المعلمين وعدم التزامهم بمعايير التدريس الفعال داخل الصفوف او غياب تواصل اولياء الامور مع مدارس ابنائهم وعدم وجود نظام تقييم صارم فماذا لو عالجنا كل ذلك بتثبيت جهاز مراقبة بكل مدرسة موصول بثلاثون كاميرا رقمية حيه لاتتجاوز قيمته ال 250 دولار وبخاصة لقاعات المراكز الامتحانية، اضافة الى حافظة دوام تعمل بالبصمة الالكترونية للمعلمين والطلاب والاداريين.
كما اننا لسنا بحاجة الى مليارات الدولارات في الوقت الحالي لبنا صفوف دراسية جديدة لمنع الازدحام الكارثي الذي وصل في بعض مدارسنا الى 90 طالب في الصف الواحد وادى الى تراجع مستوياتهم لعدم قدرة المعلم حتى منحهم من دقيقة واحدة في الحصة الدراسية التي زمنها 40 دقيقة، بل كل ما نحتاجه هو استغلال يوم السبت بجعله يوما تعليميا، مقابل تخفيض عدد حصص اليوم الدراسي الى خمس حصص بدلا عن ست حصص لاستغلال صفوف المدارس المتاحة في تدريس ثلاث مجموعات بواقع اربع ساعات فقط لكل مجموعة على اعتبار ان الحصة 40 دقيقة لتكون الفترة الاولى مثلا من 7 الى 11 صباحا والفترة الثانية من 11صباحا الى 3 بعد الظهر والفترة الثالثة من 3 الى 7 مساء وبذلك نستطيع توزيع طلابنا على الصفوف في مجموعات صغيرة ونستغل ما لدينا من معلمين وتحسين دخلهم من وفر التعاقدات وتصبح مهنة التعليم مهنة مرموقة ليقبل على كليات المعلمين ذوي المعدلات العالية بدلا من توجه النطيحة وما اكل السبع نحو تخصصات التربية و بدلا من لجو المعلمين الى البحث عن اعمال بعد الظهر لتحسين دخلهم، ووضع معايير صارمة للأداء.
السنا بمثل هذه الحلول التقنية البسيطة نستطيع بناء جيلنا القادر على بناء اقتصاد معرفي اي القادر على الوصول الى مصادر المعرفة وتوليد معرفة جديدة، السنا من خلال هذه التوجهات نستطيع معالجة الامية التقنية والتأخر التكنولوجي، السنا من خلالها نستطيع تقليل الكثير من النفقات التي نستهلكها على بناء مكتبات المدارس وسجلات ابنائنا الامتحانية والطبية، كما ستسهم في تحسين الاتصال بين مدارسنا والادارات التربوية ومجالس الاباء والاستفادة من التغذية الراجعة في التطوير ونستطيع نسخ وتوزيع ما ينتجه العدد القليل من خبرائنا من وسائط تعليمية فائقة الجودة ودروس متلفزة بدون اي تكلفة وهو ماسيعيننا ايضا في مواجهة الامية والتسرب وتفعيل النشاطات اللاصفية وتشجيع ونشر ابداعات الطلاب عبر البوابات الالكترونية وتطوير قدرات المعلمين، وتعزيز الشفافية في الالتزام بالمعايير بشكل صارم من قبل المدارس الحكومية والاهلية.

كلية الطب ج. حضرموت

زر الذهاب إلى الأعلى